تاريخ جندوبة العظيم

جندوبة هي وريثة بلاريجيا المدينة الرومانية والبونيقية التي أصبحت مع شمتو قاعدة الشمال الغربي على الطريق الرئيسية بين قرطاج وبونة, فبعد هجر بلاريجيا لم يحصل أن تكونت مدينة بسهول مجردة الوسطى لتواصل حمل مشعل التمدن والحضارة رغم تعاقب القبائل على المنطقة من المشرق العربي أو من داخل البلاد إلى أن تكونت نواة مدينة جندوبة حول محطة السكة الحديدية التي شرع في استعمالها في 01-09-1879 .

ولقد انبعثت مدينة جندوبة في أول الأمر شمال السكة الحديدية حول الثكنة العسكرية متواضعة بسيطة في مظهرها وهندستها وبعد عقد من الزمن أخذت تتوسع جنوبا مكونة بذلك عدة أنهج جديدة كنهج المغرب ونهج الساقية ونهج محمد علي. عرفت مدينة جندوبة منذ نبعاثها باسم سوق الأربعاء نسبة إلى السوق الأسبوعية التي تنتصب كل يوم أربعاء أما سكان المنطقة فكانوا يطلقون عليها كلمة البراكة نسبة إلى المحلات المشيدة من ألواح الخشب وفي سنة 1966 أطلق عليها اسم جندوبة بمقتضى أمر رئاسي بتاريخ 30-04-1966 .تجدر الإشارة أن أصل الاسم بربري وهو يتكون من كلمتين الأولى جن ومعناها “سوق” والثانية دوبة ومعناها “قمح”.

وهذا ما يعيدنا إلى التسمية التي وقع ذكرها سابقا وهي سوق الأربعاء إذ أن السوق كان ولا زال فعلا ينعقد يوم الأربعاء. وبدخول المستعمر الفرنسي وبإرادته تغيير الكثير من تراث البلاد العربي والإسلامي والبربري فقد غير اسم المنطقة الأصلي وهو جندوبة إلى سوق الأربعاء، ومع حصول البلاد على الاستقلال، قررت الحكومة إعادة الاسم الأصلي. وهذه اللمحة التاريخية تطرح مسألة انبعاث هذه البلاد بعد انتصاب الاستعمار الفرنسي على الأراضي التونسية. إذ توجد جندوبة فعلا على سهول منبسطة مترامية الأطراف وهو أمر غير معهود في التاريخ فعلى مر الأزمان أقيمت أغلب المدن على مرتفعات أو محاطة بالوديان والمياه، والغاية استراتيجية عسكرية بغية تفادي غارات العدو.

إلا أن دخول الحماية الفرنسية وبسطها لنفوذها على كامل التراب التونسي جعل مثل هذه العادات تندثر وتتوجه جهود الأهالي نحو مقاومة المستعمر، مما سمح بانتصاب أول براكة، والكلمة معروفة عند الأهالي وقد وقع ذكرها سابقا.تقع مدينة بلاريجيا الأثريّة شمال مدينة جندوبة وعلى مسافة 8 كم منها وبالتحديد على سفح جبل ربيعة. وتعتبر بلاريجيا من أشهر المدن في العهود القرطاجنية والرومانيّة والبيزنطيّة والتي تدل آثارها القائمة إلى اليوم على تاريخها وثرائها وشموخ حضارتها .

ويرقى تاريخ “بلا” إلى أواخر القرن الخامس وبداية القرن الرابع قبل الميلاد وقد كشفت الحفريات التي قام بها الدكتور – كرتون- حوالي سنة 1900 عن آثار قيمة للغاية مثل التماثيل والسوق والحمام والكنيسة والمسرح والمنازل التي تحت الأرض، وتمتاز هذه الآثار بفسيفسائها الرومانيّة التي زخرفت بها أرضيّة هذه المباني وجدرانها؛ وقد رسمت بها لوحات عجيبة تحكي جوانب من حياة عصرها. وقد اتخذت منها تماثيل وقطع أثرية وضعت بالمتحف الوطني .

وببلاريجيا عين جارية عذبة مازالت مياهها إلى اليوم دافقة وكانت قبل جلبها في القنوات إلى مدينة جندوبة تنساب في حقول منخفضة تسمى شط الحمام مكونة بحيرة كبيرة من الأمطارالتي كشفت الحفريات المتواصلة فيها عن معالم نادرة كالمقبرة النوميديّة. وتقع شمتو على مسافة 20 كم غرب المدينة وهي مدينة بربريّة تعاقبت عليها نفس الحضارات التي عرفتها بلاريجيا وتتميّز بالمعالم الفريدة من نوعهأ مثل الهضبة المقدسة والجسر الحجري على وادي مجردة وقد اشتهرت برخامها الأصفر .كما توجد بهذه المنطقة المخلفات الأثريّة لوسط المدينة في العهد الروماني مثل الساحة العمومية وبناية البازيليك المدنيّة وحنفية ضخمة وقوس نصر ودكاكين وساحة صغيرة. وتوجد في بقيّة الموقع أثار متناثرة للمباني المعهودة فــي كل مدينة من العهد الروماني: المسرح والمدرج والسوق والحمام والحنايا. ويوجد بها الآن متحف أثري يضمّ مجموعة هامّة من القطع الأثريّة النادرة.

شاهد أيضاً

مطار طبرقة عين دراهم الدولي.. المطار اللغز

مطار يقع في الشمال الغربي التونسي على شاطئ البحر على مرمى حجر من الحدود الجزائرية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.