تعدّ الصناعات التقليدية جزءا هاما ضمن منظومة الإنتاج الوطني ورافدا من روافد الخدمات السياحية ومن هذا المنطلق شجّعت الدولة ومنذ الاستقلال هذا القطاع الخدماتي الواعد خصوصا بالجهات الداخلية وتحديدا بربوع الشمال الغربي التي تتوفر على مادة خام تكوّن الأداة الأساسية لهذه الصناعات وخاصة حرف الطين والخشب والخفاف في منطقة عين دراهم من ولاية جندوبة.
يعود تاريخ هذه الصناعات وخاصة صناعة الخيزران إلى سنة 1958 أما إطارها المكاني فهو قرية أطفال بلدة بني مطير وقد تحولت إلى مدينة عين دراهم في 29 أكتوبر 1959 تحت إشراف «فيليس» المنشط الاسباني الذي باشر هذه الحرفة بالقرية والمدينة عموما ووجد في هذه الأخيرة ثلّة ممّن تحمّسوا لهذه الصناعة التي أخذت تترعرع بين أصابع هؤلاء الذين تحوّلوا من إطار التكوين إلى طور الخلق والإبداع وكان موعدهم في غرّة ماي 1965 آنذاك مع الديوان القومي للصناعات التقليديّة الذي وجد فيهم الكفاءة التامة واستعدادهم للرقي بهذه الحرفة و تطويرها.
وبالرغم ممّا تحتوي عليه هذه الربوع من مخزون طبيعي كبير وروافد سياحية ومحميات طبيعيّة خلاّبة و جبال وسدود و بحيرات جبليّة ونباتات نادرة وعيون ومياه رقراقة ومناطق رطبة ومسالك صحيّة داخل الغابات الخضراء التي تستهوي السّياح وزائري المنطقة خاصة بثلوجها وشلاّلات مياهها المنحدرة من الجبال الشاهقة والجميلة بمناظرها الطبيعيّة الخلاّبة وبالرغم من أنّ مدينة عين دراهم والتي تأسّست بلديتها في 28 جوان 1892 هي من أكثر المناطق ببلادنا إنتاجا للخفّاف إلا أنّها لا تستفيد منه ، فمصانع الخفاف يتم تركيزها في أماكن أخرى ويحرم أهالي المنطقة من العديد من مواطن الشغل.
كما تفتقر المنطقة أيضا إلى توظيف حقيقي لهذه الثروات في المجال السياحي البيئي لاستقطاب العديد من السياح والمولعين بحب الطبيعة وبالسياحة الخضراء، حيث يعاني القطاع الحرفي من ضعف فرص التكوين وصعوبة ترويج المنتوج والتزوّد بالمواد الأوّليّة بالإضافة إلى ضعف ومحدودية الاستثمار فيه وعدم توفّر فضاءات ترويج وفضاءات عرض خصوصية للتعريف بالمنتوجات التقليدية باستثناء بعض القرى الحرفية بعين دراهم وفرنانة ولكن مردوديتها محدودة جدّا أمام تكاليف الإنتاج والابتكار إلى جانب عدم هيكلة القطاع وخاصة في باب ترويج الإنتاج لتضاف إلى كل هذا مشاكل أخرى تتعلّق خاصة بنشاط الدخلاء وعدم تواجد تعاضديات خدمات تؤمّن عمليّة التزوّد بالمواد الأولية وترويج المنتوج إضافة إلى الوضع الأمني الاستثنائي ببلادنا والذي ساهم في الحدّ من إقبال السياح والوافدين على المنطقة.
ويبقى الحل الأمثل والبديل لإعادة حيوية القطاع وتطوير إمكانياته في وضع إستراتيجية عمل وخطة جهويّة للنهوض بالصناعات والابتكارات التقليديّة بالجهة من خلال تدعيم الاختصاصات المتوفّرة وخلق توازن في مستوى قاعدة الاختصاصات الحرفية والفنية بالجهة مع الحرص على خلق امتداد لقطب الصناعات التقليدي عبر الخط السياحي جندوبة الشمالية – فرنانة – عين دراهم – طبرقة وذلك بتكوين جيل جديد من الحرفيين الشبّان في مختلف الاختصاصات وإنشاء منابت للعود الأصفر والرافيا باعتبارها مادة تستعمل في صناعات الألياف النباتية بعين دراهم إلى جانب إعادة إحياء الأنشطة الحرفية بالجهة والآيلة للتلاشي و بعث فضاءات للعرض بالنزل والمغازات الكبرى بالجهة ودعوة البلديات لتخصيص فضاءات خاصة بترويج هذه المنتوجات التقليديّة بالأسواق الأسبوعية بأسعار مناسبة سعيا لخلق تقاليد لأسواق تقليديّة بالجهة مع ضرورة تطويع المنتوج التقليدي حتّى يستجيب لتطوّر الأسلوب الاستهلاكي.