فضل الله بعض الأماكن على بعض، فجعل الله البيت الحرام أفضل بقعة في الأرض فقال: (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ).
وفضل الله بعض الأزمنة على بعض فجعل الله القليل من العمل فيها يساوي الكثير من الأجر والثواب، فليلة القدر جعل الله العبادة فيها أفضل من ألف شهر، قال الله : (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ).
فضل شهر محرم
ومن هذه الأزمنة التي فضلها الله تعالى شهر المحرم، حيث قال النبي -صلى الله عليه وسلم- عنه: (أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم، وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل)[مسلم].
وخصص النبي –صلى الله عليه وسلم- من هذا الشهر اليوم العاشر ويسمى بيوم عاشوراء بمزيد فضل له على غيره من الأيام، فالصيام فيه يكفر ذنوب سنة فقال صلى الله عليه وسلم: (صيام يوم عاشوراء أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله)[مسلم].
سبب تسمية عاشوراء بهذا الإسم
وتسمية اليوم العاشر من محرم بعاشوراء تسمية إسلامية لم تعرف قبل الإسلام، وألحق به تاسوعاء، وهو من الأيام التي تجلت فيها رحمات الله على عباده حيث نجى الله فيه موسى وقومه من فرعون وجنوده؛ لذلك صامه موسى –عليه السلام- شكرا لله، وصامه قومه، وصامه اليهود من بعده، وصامته قريش، وصامه رسول الله –صلى الله عليه وسلم- بمكة قبل البعثة، ثم تركه بعد البعثة، فلما قدم المدينة ووجد اليهود يصومونه فلما عرف سبب صيامهم له صامه وأمر بصيامه، وكان في أول الأمر فرضا فلم يمض على صيامهم لعاشوراء إلا عدة أشهر حتى فرض الله صيام رمضان فصار صيام عاشوراء بعد ذلك مستحبا فمن شاء صامه ومن شاء أفطر.
عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: (كان يوم عاشوراء تصومه قريش في الجاهلية، وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصومه، فلما قدم المدينة صامه وأمر بصيامه، فلما فرض رمضان ترك يوم عاشوراء، فمن شاء صامه، ومن شاء تركه)]البخاري[.
وقالت عائشة –رضي الله عنها-: كانوا يصومون عاشوراء قبل أن يفرض رمضان … فلما فرض الله رمضان قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: (من شاء أن يصومه فليصمه ومن شاء أن يتركه فليتركه)]البخاري[.
وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قدم النبي -صلى الله عليه وسلم- المدينة فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء، فقال: (ما هذا؟) قالوا: هذا يوم صالح هذا يوم نجى الله بني إسرائيل من عدوهم فصامه موسى قال: (فأنا أحق بموسى منكم) فصامه، وأمر بصيامه.]البخاري[.
ومعنى هذا الحديث أن النبي –صلى الله عليه وسلم- في بداية الأمر كان يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر به ولم يكن موافقا لما عليه أهل الشرك وعبدة الأوثان؛ تأليفا لقلوبهم، فلما وصل المدينة ورأى اليهود يصومون يوم عاشوراء صامه وأمر بصيامه فعل ذلك عدة سنوات فلما أتم الله عليه النعمة وفتح الله عليه مكة وأكمل الله دينه أراد مخالفة أهل الكتاب فقال رسول الله –صلى الله عليه وسلم- في عامه الأخير: (لَئِنْ بَقِيتُ إِلَى قَابِلٍ لَأَصُومَنَّ التَّاسِعَ)]مسلم[. ولكن النبي –صلى الله عليه وسلم- لحق بالرفيق الأعلى قبل أن يأتي هذا العام القادم.
وهذا يحتمل أن يكون معناه “لأصومن التاسع” بدلا من العاشر على اعتبار أنه هو يوم عاشوراء وهذا مذهب ابن عباس، أو لأصومن التاسع مع العاشر من أجل مخالفة اليهود، وقد استحب جماعة من العلماء صيام التاسع مع العاشر احتياطا لاختلاف مطالع الشهر ولأنه الأكمل، ورأى البعض أن المقصود هو عدم إفراد هذا اليوم العاشر بصيام فيسحتب أن يصوم يوما قبله أو يوما بعده.
فيوم عاشوراء من الأيام الفاضلة التي كان النبي –صلى الله عليه وسلم- يحرص على صيامها ويتحراها، قال ابن عباس –رضي الله عنهما-: ما رأيت النبي –صلى الله عليه وسلم- يتحرى صيام يوم فضله على غيره إلا هذا اليوم يوم عاشوراء، وهذا الشهر يعني شهر رمضان.[البخاري].